الثلاثاء، 22 يناير 2013


مقدمة:

لقد أرشد ديننا الإسلامي الناس إلى التداوي من الأمراض, فعن أسامة بن شريك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير, فسلمت ثم قعدت, فجاء الأعراب من ههنا وههنا, فقالوا: يارسول الله أنتداوى ؟, فقال: «تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءاً إلا وضع له دواءاً, غير داء واحد الهرم.

وجاءت الإشارة في بعض الأحاديث النبوية لأنواع من العلاج, ومن ذلك بعض النباتات, وحديثنا في هذا البحث سيكون عن نبتة الحناء وما جاء فيها من أحاديث, وبيان السبق العلمي للسنة النبوية في الكشف عن الفوائدالعلاجية لهذه النبتة, وتوضيح وجه الإعجاز في ذلك.

نبذة تعريفية عن الحناء:
الحناء أو الحنة شجرة معمرة متساقطة الأوراق من موسم لآخر, قد يصل ارتفاعها أحياناً إلى زهاء سبعة أمتار، موطنها الأصلي مصر القديمة وبلاد فارس, والحناء من النباتات التي كثر استعمالها عند قدماء المصريين، ويوجد منها أصناف كثيرة مثل البلدي، الشامي، البغدادي، والحناء البلدي هي أغنى الأنواع بالمواد الملونة, وتحتوي الحناء على المادة القابضة المعروفة باسم"التانين ", وأوراق النبات تشبه في شكلها أوراق الزيتون لكنها أكثر منها طولاً, إذ يبلغ طولها من 2 – 3 سم, وعرضها 1– 2سم, ولونها أخضر مع بني, وتتميز الأوراق باحتوائها على نسب عالية من المواد الملونة ومواد تينينية ولوزون ومواد صمغية، وتجمع هذه الأوراق ثم تجفف وتطحن وتباع كمسحوق بالصورة التي نعرفها(3).
وقد تمكنت بعض شركات منتجات التجميل من ادخال أوراق الحناء في صناعة الصبغات الحديثة للشعر, حيث اتضح أنها أضمن بكثير جداً من المواد الكيميائية المستعملة في تحضير صبغات الشعر, وخاصة أنها تتميز بخلوها من التأثيرات الضارة على الجلد أو الشعر(4).

الأحاديث النبوية الواردة في الحناء:
مما جاء في فضل الحناء ما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد ريحان أهل الجنة الحناء»(5), وفي أحاديث أخرى حث النبي صلى الله عليه وسلم على تغيير لون الشعر إذا أصابه الشيب, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»(6), ثم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى استعمال الحناء في صباغة هذا الشعر الأبيض, فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم(7)»(8), وإذا كان هذا الحديث عاماً يدخل فيه الرجال والنساء على حدٍ سواء فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم النساء بحديث آخر, فعن عائشة رضي الله عنها: أنّ امرأةً مدت يدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب, فقبض يده, فقالت: يا رسول الله مددت يدي إليك بكتاب فلم تأخذه, فقال: «إني لم أدرِ أيَدُ امرأةٍ هي أو رجل», قالت: بل يد امرأةٍ, قال: «لو كنت امرأةً لغيرتِ أظفارك بالحناء»(9).
وقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يستخدم الحناء في شعر رأسه, فعن أبي رمثة التميمي رضي الله عنه قال: خرجت مع أبي حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت برأسه ردع(10)حناء(11), وجاءت رواية أخرى تفيد أنه صلى الله عليه وسلم استعمل الحناء في شعر لحيته أيضاً, فعن أبي رمثة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبي, فقال لرجل أو لأبيه: «من هذا ؟» , قال: ابني, قال: «لا تجني عليه», وكان قد لطخ لحيته بالحناء(12). 
وعن عثمان بن عبد الله قال: دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو مخضوب أحمر بالحناء والكتم(13).
ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخضبون شعرهم بالحناء أو بالحناء والكتم, فعن أنس رضي الله عنه قال: خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم(14).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم الحناء في مجال التداوي, ومن ذلك ما جاء عن سلمى أم رافع مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان لا يصيب النبي صلى الله عليه وسلم
قرحة ولا شوكة إلا وضع عليه الحناء(15). وفي رواية أنها قالت: ما كان يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا نكبة إلا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضع عليها الحناء(16), وفي رواية أنها قالت: كان إذا أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلم أو النكبة جعلت عليه الحناء(17).
ومعنى (قرحة): هي الجرح(18), ومعنى (نكبة): هي ما يصيب الإنسان من الحوادث(19), كالإصابة بالأحجار(20), والنكبة: أن يصيب العضو شيءٌ فيدميه(21), أو هي العثرة بالرجل(22),ومعنى (الكلم): الجرح(23).
ومما جاء من الأحاديث في التداوي بالحناء, ما جاء عن سلمى وكانت خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد منا رأسه قال: «اذهب فاحتجم», وإذا اشتكى رجله قال: «اذهب فاخضبها بالحناء»(24).
فهذه الأحاديث تشير إلى أن للحناء فوائد علاجية نافعة بإذن الله تعالى, ومما أشارت إليه هذه الأحاديث هو استعمال الحناء في التداوي من الجروح والإصابات وخصوصاً في القدمين.

استعمالات الحناء عند القدماء:
عرفت نبتة الحناء منذ فترة زمنية قديمة، ويمكن القول بأن الحناء من أقدم صبغات الشعر والأظافر التي استعملها الإنسان, فقد وجدت آثارها في رؤوس وأظافر العديد من الجثث المحنطة للفراعنة, وعثر خبراء الآثار على أجزاء من أشجار الحناء في مقابر المصريين القدماء, وجاءت نصوص فرعونية تدل على أن الفراعنة استخدموا الحناء ضمن الوصفات الطبية وتركيبات العطور والصبغات, وعلاج الأمراض الجلدية(25). 
وللحناء مكانة مرموقة عند الأطباء المسلمين, فقد ذكر ابن القيم أن: الحناء محلل نافع من حرق النار، وإذا مضغ نفع من قروح الفم والسلاق(26) العارض فيه, ويبرئ من القلاع(27) الحادث في أفواه الصبيان, والضماد به ينفع من الأورام الحارة الملتهبة, ومن خواصه أنه إذا بدأ الجدري يخرج بصبي فخضبت أسافل رجليه بحناء فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيها شيء منه, وإذا ألزقت به الأظافر معجوناً حسّنها ونفعها، وهو ينبت الشعر ويقويه, وينفع من النّفّاطات والبثور العارضة في الساقين وسائر البدن(28). 
أما ابن سينا فيقول: الحناء فيه قبض وتحليل وتجفيف بلا أذى, وينفع لأوجاع العصب, ويطلى على الجبهة مع الخل للصداع, وينفع قروح الفم والقلاع(29).
ويستعمل في الطب الشعبي كقابض وفي التئام الجروح والحروق .

الحناء وتأثيراته العلاجية في الطب الحديث:
مع هذا التطور السريع للعلم الحديث طالعتنا كثير من الأبحاث والدراسات التي تناولت نبتة الحناء, وظهرت الكثير من الفوائد العلاجية للحناء.
ومن هذه الفوائد المكتشفة حديثاً:

1- القضاء على أنواع متعددة من الجراثيم والميكروبات:
في دراسة هامة أعدها الدكتور مالك زاده (أستاذ الميكروبات والجراثيم في جامعة طهران)، تناول فيها تأثير نبات الحناء على البكتريا والجراثيم, فكان لها نتائج ممتازة في القضاء على أنواع متعددة من الجراثيم والميكروبات(30).
وقد استخلص العلماء في دراسة علمية مضادات للبكتريا والفطريات والجراثيم والتي أخذت من أوراق نبات الحناء الكاملة, وسجلت براءة اختراع في بريطانيا لمستحضر طبي مضاد للبكتريا مستخلص من الحناء, الدراسة المخبرية للحناء أثبتت وجود مركبان هما: (lawsone) و(isoplumbagin) ولهما تأثير فعال أيضاً في القضاء على السرطان(31).
وينفع الحناء في القضاء على الفطور بين أصابع اليدين والقدمين, فعند عدم تنشيف هذه المناطق من ماء الوضوء والغسل وبخاصة في فصل الشتاء-ويزداد الأمر سوءاً إذا لبست جوارب النايلون؛ لأنها تمنع تبخر الرطوبة والماء والعرق من القدمين- فإن الرطوبة تنحبس بين الأصابع وينمو الفطر, ولأن الحناء يحتوي على مواد قابضة مجففة للرطوبة فإنه يمنع نمو هذه الفطور(32).

2- علاج الحروق:
في دراسة علمية قام بها الدكتور حسين الرشيدي الطبيب والباحث في الجراثيم والميكروبات على نبتة الحناء لما يقرب من ست سنوات توصل إلى أن للحناء فوائد علاجية عظيمة, بل أصبح يسميه النبات السحري؛ وذلك لكثرة فوائده, ومن هذه الفوائد قدرة الحناء على علاج الحروق وإعطاء نتائج طيبة في هذا المجال, فعندما توضع الحناء على الحروق من الدرجة الأولى والثانية تعطي نتائج جيدة في العلاج, كما أنها تقلل من الآلام الناتجة عن الحروق, وتقلل من فقدان منطقة الجلد المحترقة للسوائل وهذا مهم إن كانت منطقة الحرق كبيرة, حيث يلتصق بمكان الجلد المصاب بالحروق حتى يشفى بشكل كامل, واستعمال الحناء يكون بإضافة الحناء إلى المكان المحترق سواءاً كان بشكل معجون أو بشكل مطحون.

3- التئام الجروح:
للحناء أثر في التئام الجروح وخاصة القروح المزمنة والأكزيما, ومن خلال الدراسة التي قام بها الدكتور حسين الرشيدي توصل إلى أن للحناء أثراً فعالاً جداً في علاج التقرحات التي تصيب القدمين(33).

4- إيقاف النزف:
من النتائج التي توصل إليها الدكتور حسين الرشيدي أن للحناء قدرة جيدة على إيقاف النزف, حيث استعمله لإيقاف نزف مقدمة الأنف, وذلك بلصق مطحون الحناء على مكان النزف، حيث يحزم الملصوق على مكان النزف، مما يؤدي إلى توقف النزف خلال ثواني بطريقة عجيبة, كذلك إيقاف نزف الأنف الخلفي, حيث يمكن ذلك بأن يطلب من المريض شم مسحوق الحناء عبر المنخرين مما يجعله يصل إلى داخل الأنف أو المنخر الخلفي, وهذا المسحوق سوف يلتصق بالمنطقة النازفة ويقوم بإيقاف النزف، أما التأثيرات الجانبية للحناء هي جعل المريض يعطس قليلاً, ويمكن استعماله في أماكن أخرى مثل إيقاف نزف قرحة الإثني عشر (34).

5- مضاد للفيروسات:
للحناء تأثير مضاد للفيروسات ويظهر واضحاً من خلال نتائجه في علاج الثآليل, يقول الدكتور حسين الرشيدي:
قمت بعلاج العديد من الثآليل التي قاومت العلاج ب(cryo)-وهو سائل النتروجين- فأثبت الحناء فعالية عالية في العلاج، مثل حالة ثالولة عملاقة بحجم (1.5×1.5)سم2 على إبهام طفل والتي كانت تقاوم جميع أشكال العلاج، وقبل الخيار الجراحي حاولنا علاجه بالحناء حيث بدأ الاختفاء خلال أيام وخلال عدة أسابيع تم اختفاؤها بشكل كامل، وهناك حالة لمريضة عانت من ثالولة على إصبعها لمدة سنتين والتي قاومت العلاج بالنتروجين السائل, فطلبنا منها استعمال الحناء وتم علاجها,كما توصلنا إلى أن الحناء مفيدة جداً في علاج الثآليل المتعددة, حيث يتم إلصاق معجون الحناء علىهذه الثآليل(35).
ومن النتائج العلاجية للحناء أيضاً والتي توصل إليها الدكتور حسين الرشيدي: 
أنه يمكن استعمال الحناء في الطب الوقائي وخصوصاً لحِماية أقدامِ المرضى المصابين بالسكر, وأنه ينصح باستعماله مرة كل شهر على الأقل؛ لأنه يساعدهم في شفاء التشققات والجروح في القدم, ويحسن من شكل الجلد فيبدو أصح وأنعم, وهذه المسألة بحاجة إلى شيء من الوقت حتى تظهر النتائج بشكل واضح. 
ويمكن أيضاً استعمال الحناء لعلاج ألم الظهر, والتهاب القولون التقرّحي من خلال جعله في حقنة شرجية.

وجه الإعجاز: 
لقد جاءت الأحاديث النبوية دالة على أن للحناء فوائد علاجية في التداوي من الجروح والقروح وخصوصاً على القدمين, وبعد رحلة من التجارب والاكتشافات العلمية توصل كثير من الباحثين إلى أن للحناء فوائد علاجية كثيرة, ومن أبرزها القدرة العالية في القضاء على الجراثيم والفطريات, ومعالجة الجروح والتقرحات, وفي هذا تطابق واضح بين ما أخبر عنه نبينا محمد r وما اكتشفه العلم الحديث, وهذا يدل دلالة واضحة على أن ما أخبر به هذا النبي الأمي r هو وحي إلهي أوحاه الله تعالى إليه, وبهذا يكون نبينا محمد r هو النبي الخاتم الذي أرسله الله تعالى إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق