الجمعة، 7 يونيو 2013

منوعات | بروفايل:عبدالناصر.. تحية المهزوم
تم النشر فى:06/06/2013
كتب:Admin Admin


ينخفض الرأس قليلاً، تتهدل الأكتاف، ينطفئ بريق العين، ينكسر الصوت، تتسرب الكلمات من بين الشفاه بطيئة حزينة، لا مجال للمكابرة أو الإنكار.. وقعت الهزيمة، وضاعت الأرض، وبُعثر الجيش، وتاه الجنود فى الصحراء الواسعة، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر فى ظلام الأسْر.
وعليه هو أن يصارح الجماهير بالحقيقة، يواجههم عبر شاشة التليفزيون، مثل أى قائد مهزوم، ليقول لهم إن الهزيمة لحقت به، وإنه لم يعد ذلك الزعيم والقائد الذى كانوا يركنون إليه، وعليه وحده تقع المسئولية كاملة، وقراره الذى اتخذه هو أن يتنحى عن حكم البلاد ويفوّض إدارتها لأحد غيره، مع رجاء للجميع أن يساعدوه على تنفيذ ما قرر، فيعود هو إلى صفوف الجماهير يؤدى واجبه معها كأى مواطن آخر، وجاءه الرد بأسرع مما كان يتوقع، فى صورة مظاهرات ومسيرات تطالبه بالعدول عن قراره ومواصلة الكفاح من أجل تحويل الهزيمة إلى انتصار.
شفرة خاصة تلك التى جمعت بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والملايين من داخل مصر وخارجها، شفرة يصعب التقاطها أو فهمها، هى نفسها التى جعلت الجماهير فى مصر تتمسك ببقاء رئيس مهزوم فى السلطة، ودفعت آلاف السودانيين فى مدينة الخرطوم إلى أن يستقبلوه استقبال الفاتحين بعد أقل من ثلاثة أشهر مرّت على النكسة أثناء حضوره القمة العربية المنعقدة فى السودان، والتى أعلن فيها العالم العربى لاءاته الثلاث «لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف بإسرائيل». هى نفسها الشفرة التى حملت الفلسطينيين على تبجيله وتوقيره وكأن العالم لم ينجب غيره، رغم أن هزيمته أضاعت منهم القدس وما تبقى من أراضيهم. وهى أيضاً التى أجبرت الجماهير فى سوريا ولبنان والجزائر والمغرب واليمن والعراق على أن تخرج فى مظاهرات ومسيرات عقب إلقائه خطاب التنحى لتطالبه بالبقاء رغم أنه لم يكن هناك اتحاد اشتراكى ولا لجان شعبية يقولون إنها هى التى حركت الناس فى مصر. وربما تفسر تلك الشفرة لغز شعبية ناصر الضخمة فى أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وحتى عدد من الدول الغربية التى وقف فى مواجهتها وعاداها وتربص بها. ولعلها هى السبب فى أن سيرته لا تزال حاضرة وطازجة بعد أكثر من أربعين عاماً مرت على رحيله، فتجعل من ذكرى هزيمته وانكساره يوماً سعيداً فى حياة خصومه وأعدائه كأن الهزيمة وقعت له وحده، ولم تفقد مصر فيها خيرة جنودها، ولا أرواح أبنائها.
يذهب عبدالناصر طاوياً سرّ شفرته معه للأبد، عن هؤلاء الذين تجمعهم وإياه روابط لا تنفصم رغم مرور الأعوام، وعن أولئك الذين يأكل الحقد قلوبهم منه، فيحتفلون بيوم النكسة، ويرقصون على ذكرى هزيمة الوطن، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء فك الشفرة، ربما يفهمون لماذا يصر الناس فى مصر على حب المهزوم حتى بعد رحيله، فيما يلفظون غيره حتى ولو صوّر نفسه على أنه المنتصر.
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق