الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

العهد النبوي لنصارى نجران ملزم للمسلمين في كلّ مكان وزمان

نصّ العهد النبوي لنصارى نجران ملزم للمسلمين في كلّ مكان وزمان

بقلم محمد السماك

أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي

مداد القلم 5/11/2010

انظر أيضاً: المسلمون والمسيحيون ومسؤوليات العيش المشترك/ حوار مع الأستاذ محمد السماك في برنامج الشريعة والحياة في فضائية الجزيرة

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/930368FA-0189-44ED-9F5C-1237A53E61EC

______

في قراءة متأنية لنص العهد النبوي لنصارى نجران استوقفني أمران شكليان، الأمر الأول هو أن العهد لم يكن لنصارى نجران حصراً، إنما للمسيحيين عموما. والأمر الثاني هو أن الالتزام الإسلامي بنص العهد لم يكن محددا بمسلمي الفترة الزمنية التي صدر فيها، ولكنه نصٌّ ملزم لكلّ المسلمين في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة.

يؤكد الأمر الأول ما ورد في مقدمة العهد حيث يقول: "هذا كتاب أمان من الله ورسوله، للذين أوتوا الكتاب من النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شيء من نحل النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبدالله، رسول الله إلى الناس كافة؛ ذمّة لهم من الله ورسوله".

ويؤكّد الأمرَ الثاني قولُه "إنه عهد عهده إلى المسلمين من بعده، عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا به ويحفظوه لهم، ليس لأحد من الولاة، ولا لذي شيعة من السلطان وغيره نقضه، ولا تعدّيه إلى غيره، ولا حمل مؤونة من المؤمنين، سوى الشروط المشروطة في هذا الكتاب، فمن حفظه ورعاه ووفى بما فيه، فهو على العهد المستقيم والوفاء بذمّة رسول الله، ومن نكثه وخالفه إلى غيره وبدّله فعليه وزره؛ وقد خان أمان الله، ونكث عهده وعصاه، وخالف رسوله، وهو عند الله من الكاذبين".

في ضوء العهد النبوي إلى المسلميين عامة، وفي ضوء الإلزام النبوي بنصّ العهد للمسلمين عامة، وفي ضوء اعتبار من يخالفه أو ينكثه أو يبدله عاصياً لله ولرسوله، من المهمّ التوقف أولا أمام بنود العهد، ومن ثَمَّ مقارنتها بواقع العلاقات الإسلامية – المسيحية وبدور المرجعيات الدينية الاسلامية في التعامل مع هذا الواقع.

• • •

ينص العهد فيما ينص عليه(1):

أولا، "أن احمي جانبهم –أي النصارى– وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح، حيث كانوا من جبل أو وادٍ أو مغارٍ أو عمران أو سهلٍ أو رمل".

ثانيا، "أن أحرس دينهم وملّتهم أين كانوا؛ من برّ أو بحر، شرقاً وغربا، بما أحفظ به نفسي وخاصتي، وأهل الإسلام من ملّتي".

ثالثا، "أن أدخلهم في ذمّتي وميثاقي وأماني، من كلّ أذى ومكروه أو مؤونة أو تبعة. وأن أكون من ورائهم، ذابّاً عنهم كلّ عدوّ يريدني وإياهم بسوء، بنفسي وأعواني وأتباعي وأهل ملتي".

رابعا، "أن أعزل عنهم الأذى في المؤن التي حملها أهل الجهاد من الغارة والخراج، إلا ما طابت به أنفسهم. وليس عليهم إجبار ولا إكراه على شيء من ذلك".

خامسا، "لا تغيير لأسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا سائح عن سياحته، ولا هدم بيتٍ من بيوت بيعهم، ولا إدخال شيء من بنائهم في شيء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله وحال عن ذمّة الله".

سادسا، "أن لا يُحمَّل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبّد منهم، أو لبس الصوف، أو توحد في الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئاً من الجزية أو الخراج...".

سابعا، "لا يُجبر أحد ممّن كان على ملّة النصرانية كرهاً على الاسلام. "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن"، ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاد".

ثامنا، "إن أجرم واحد من النصارى أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره والمنع والذبّ عنه والغرم عن جريرته، والدخول في الصلح بينه وبين من جنى عليه. فإما مُنّ عليه، أو يفادى به".

تاسعا، "لا يُرفضوا ولا يُخذلوا ولا يُتركوا هملا، لأني أعطيتهم عهد الله على أنّ لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين".

عاشرا، "على المسلمين ما عليهم بالعهد الذي استوجبوا حقّ الذمام، والذبّ عن الحرمة، واستوجبوا أن يذب عنهم كلّ مكروه، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم، وفيما عليهم".

حادي عشر، "لهم ان إحتاجوا في مرمة –ترميم- بيعهم وصوامعهم، أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها –ترميمها-، أن يُرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك ديناً عليهم، بل تقويةً لهم على مصلحة دينهم ووفاءً بعهد رسول الله موهبةً لهم ومنّة لله ورسوله عليهم"(2).

• • •

لن أفيض أكثر من الحديث عن هذا الموقف الديني المبدئي الشرعي التأسيسي لعلاقات المسلمين بالمسيحيين. وهو موقف التزم به الخلفاء الراشدون من بعد النبي عليه السلام، ولعلّ من أشهر المواثيق التي تؤكّد هذا الالتزام، العهدة العمرية لمسيحيي القدس، والمنح التي قدمها الأمويون لمسيحيي دمشق لبناء كنائسهم.

ثم إنه إضافة إلى هذه الثوابت الدينية الملزمة هناك موقف إسلامي عامّ ملزم أيضا يتمثل في حديث للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم). فعندما سئل: من هو المسلم، أجاب: "المسلم من سلم الناس (أي كلّ الناس بصرف النظر عن الدين أو اللون أو العنصر أو الثقافة) من يده ولسانه". فلا أذية بعمل (باليد) ولا أذية بكلمة (باللسان). وإذا كان هذا هو الموقف العام تجاه الناس كافة، فكيف يجب أن يكون من أولئك الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم "أقرب مودّة للذين آمنوا" والذي ربط هذه المودّة الايمانية بأنّ "منهم قسيسين ورهباناً وأنّهم لا يستكبرون"؟.

إذا عرضنا لواقع العلاقات الإسلامية–المسيحية اليوم في ضوء ما تتسم به من مظاهر سلبية هنا أو هناك، لا نستطيع إلاّ أن نتساءل هل إن المرجعيات الدينية الإسلامية نجحت في نشر هذه المبادئ في الثقافة الدينية العامة، وهل عملت على تكريسها في السلوك اليومي للمسلمين؟

يحملنا على طرح هذا السؤال أحداث ووقائع تتوالى فصولاً في دول عربية مثل العراق، وفي دول غير عربية مثل نيجيريا، وفي دول إسلامية مثل ماليزيا، تشير إلى ما يتناقض، أو إلى ما لا ينسجم، مع المبادئ والقيم النبوية الملزمة للمسلمين جميعا. ويعود ذلك إما إلى الجهل بهذه الالتزامات، أو إلى تجاهلها، وتالياً إلى تغييبها عن الثقافة العامة في بعض المجتمعات الإسلامية. ولو أنّها كانت حاضرة ومؤثرة وفاعلة كما يجب، لما امتدّت يدٌ لاغتيال كاهنٍ هنا أو راهب هناك، ولَما فُجّرت كنيسة هنا أو بيت مسيحي هناك.

ولأنّ الطبيعة لا تعرف الفراغ، فإن تغييب هذه الثقافة يشرع الأبواب أمام ثقافة أخرى معاكسة، يمليها الجهل بالثوابت الإيمانية ويملي مبادئها التطرّف والغلوّ بما هو كراهية الآخر ومحاولة لإلغائه.

عندما يتعرض الإسلام إلى الافتراء وإلى محاولات التشويه والتضليل، غالبا ما تبادر مرجعيات مسيحية كبرى إلى التصدّي لهذه المحاولات وإلى تسفيهها.. من الموقف من منع الحجاب في فرنسا، إلى الموقف من الفيلم المسيء لرسول الله عليه السلام في هولندا، إلى الرسوم الكاريكاتورية في الدانمارك، إلى منع بناء المآذن في سويسرا.. انتهاء بالدعوة إلى حرق القرآن الكريم في كنيسة مجهولة في بلدة صغيرة من ولاية فلوريدا الاميركية. فقد ارتفعت أصوات مرجعيات مسيحية تندد وتستنكر، من الفاتيكان، إلى مجلس الكنائس العالمي، إلى مجلس الكنائس الوطني الأميركي، إلى اتحاد الكنائس الإنجيلية، إلى مجلس كنائس الشرق الاوسط. وشاركت في رفع هذه الأصوات مرجعيات دينية يهودية في الولايات المتحدة وأوروبا.

حتى عندما ارتُكبت جريمة 11 سبتمبر 2001 رأينا كيف بادر البابا الراحل يوحنا بولس الثاني إلى استضافة مؤتمر إسلامي–مسيحي في الفاتيكان من أجل أن يعلن الموقف المبدئي وهو "أن الإجرام لا دين له".

لا شكّ في أنّ هذه المواقف المسيحية الأخلاقية السامية تتعزّز وتستقوي بمواقف لمرجعيات إسلامية من قضايا تتعلّق بانتهاك حقوق مسيحيين هنا أو بالافتراء على المسيحية هناك، علماً بأنّ مثل هذه المواقف ليست مفترضة على قاعدة المعاملة بالمثل، إنما هي مفروضة على قاعدة الالتزام بالإسلام شرعةً ومنهاجا.

من هنا نعود إلى بيت القصيد، وهو أهمية دور المرجعيات الدينية الإسلامية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ فيها العلاقات الإسلامية المسيحية في العالم العربي وفي العالم، في التعريف بالثوابت الإيمانية النبيلة التي قامت عليها هذه العلاقات منذ العهد النبوي والتي يجب أن تقوم عليها اليوم وغداً وحتى نهاية الزمن.. ولنا كمسلمين في رسول الله اسوة حسنة.

وأخيرا، أودّ أن أختم هذه الكلمة القصيرة بالآية القرآنية الكريمة(3) التي تقول:

"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين".

_____________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق