«الأسطى» مجدي شيخ صانعي «السبح» في مصر: الحج والعمرة أشهر مواسمنا
يرجع تاريخها إلى العصر الفاطمي.. ولكل دولة سبحتها الخاصة
| ||
القاهرة: محمد السويدي
«إيده تتلف في حرير»، وصف يفاجئك وأنت تتجول في سوق «السِّبح» وتسأل عن جودتها وفن صناعتها بحي خان الخليلي السياحي بالقاهرة. والطريف أن أصحاب هذا الوصف هم تجار السبح بالخان وحي الجمالية المجاور له.. إنه الأسطى مجدي منتصر أشهر صانع سبح في مصر الذي يمارس صنعته في ورشته بحي منشية ناصر على أطراف القاهرة، وهي معقل صناعة السبح في مصر والوطن العربي.في منشية ناصر بحثا عن مجدي منتصر مررت بعشرات ورش تصنيع السبح حتى التقيت به، كان يرتدى جلبابا أبيض عرفت منه فيما بعد سبب ارتدائه له في العمل، وهو تأثره بأهالي مكة والمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية التي يسافر إليها عدة مرات على مدار العام، إما للعمرة أو الحج، أو بسبب رحلات توريد السبح للتجار هناك.
مجدي منتصر ذو الجلباب الأبيض بدا مثل شباب ورشته يعمل مثلهم «إيد بإيد»، على الرغم من أنه في العقد السادس من العمر. وهو يقول في ذلك إنه اعتاد أن يمارس عمله بنفسه ويساعده أبناؤه ويتقاضون أجورهم مثل باقي الصنايعية عنده. شعاره: «من ينتج أكثر يتقاضى أجرا أكثر، ومن ينتج أقل يتقاضى أجرا أقل، ومن يتغيب عن عمله لا يأخذ أجرا».. هذا ما تعلمه من والده الذي ورث المهنة عنه، ويعمل من عائلة منتصر أكثر من 25 فردا في تصنيع السبح.
الأسطى مجدي منتصر (وهذا اسم الشهرة، أما اسمه الحقيقة فهو «مجدي عبد المعطى عبد العزيز عوض حسان عبد العال») من قرية عرب الحويطات إحدى قرى صعيد مصر التابعة لمركز دار السلام بمحافظة سوهاج، يقول: «قدمت عائلتنا من عرب الحويطات، واستقرت في القاهرة قبل 80 عاما، وكان الوالد (رحمه الله) يبيع السبح في الجمالية وأمام مسجد الإمام الحسين بوسط القاهرة، وفي سبعينات القرن الماضي أخذت العائلة نهجا آخر في سوق السبح، فأصبحنا نقوم بتصنيعها ثم بيعها وبمرور الوقت طورنا في شكلها، حتى أصبحت عائلة منتصر أشهر صناع السبح في مصر، ويتعامل معنا تجار السعودية، خاصة في مواسم الحج والعمرة، وهما أفضل مواسم العمل بالنسبة لنا، ومنهم الحاج فايز الزهران شيخ السبح بمكة والحاج شريف هاشم التاجر الأشهر في المدينة. وبعد أن كان تجار السعودية يتعاملون مع صناع السبح في العراق وتركيا، تحولت الدفة ناحية مصر، وأصبحت ورش السبح في منشية ناصر بالقاهرة أكبر مورد للسبح للسعودية. والمملكة بطبيعتها أكبر سوق تجارى للسبح في العالم. ولا يمكننا توريد السبح لأي بلد في العالم دون المرور على مكة والمدينة، لأن زوار بيت الله الحرام والمسجد النبوي يتباركون بشراء السبح من هناك، وليس من بلد آخر».
ويوضح «الأسطى» مجدي: «يرجع تاريخ صناعة السبح في مصر إلى العصر الفاطمي، وهي تصنع من خامات نباتية وليست نارية (أي بلاستيك)، مثل السبح الصيني، وتعد أشجار الأبانوس والعود والصندل والورد والسندونوس والعضم من أفضل الأنواع المستخدمة في صناعة السبح. كما يعد خشب كوك جوز الهند من أفضل الأنواع أيضا، ونتعامل فيها لتصنيع السبح، وهي في حجم ثمرة الكمثرى، ومنها الكوك الأصلي في حجم ثمرة الخيار، وهو الخشب الذي يقال إن سيدنا نوح استعمله في تصنيع سفينته قبيل الطوفان».
5 مراحل تستغرقها صناعة حبات السبح، كما يرويها شيخ المصنعين مجدي منتصر، وهي «تشطيف الخشب الخام، تفصيله، تقطيعه، تخريمه، تشطيبه»، وكلها تتم بشكل يدوي مع استخدام قليل للآلات. ففي البداية يتم تشطيف ثمرة الكوك، بحيث تصبح لامعة وملمسها ناعما، ثم تفصيلها لأحجام طولية، وبعد ذلك تقطيعها لقطع صغيرة مربعة، ثم تخريم هذه القطع من المنتصف وبالعمق، وبعد ذلك يتم إدخالها في ماكينة تشطيب وتحديد مقاس الحبة، بدءا من 4 مللي وحتى 10 مللي، وأكثر حسب الطلب، ثم يتم وضع هذه الحبات بواسطة بعض الفتيات والنساء في سلك طويل ثم تدخل مرة أخرى مرحلة التلميع وتعاد للفتيات مرة أخرى لإدخال الحبات في الخيط لتخرج بشكلها للجمهور، هذا بخلاف مرحلة أخرى لتصنيع رؤوس السبح على شكل مئذنة أو هلال أو نجمة أو مجسم كعبة، وتلك المرحلة يقوم بها الابن الأكبر للأسطى مجدي ويدعى عماد، مستخدما فيها ماكينة خراطة صغيرة. وفي معرض إجابته عما إذا كانت تصميمات السبح يقوم بإعدادها فنيون آخرون يتباهى كبير مصنعي السبح قائلا: «أصمم السبح بنفسي أنا وابنيّ عماد وعلاء، ولا نستعين بأحد من خريجي الكليات الفنية من فنون جميلة وتطبيقية لتصميمها، فالموهبة من عند الله».
وتابع: «كل دولة لها السبحة المناسبة لها وحجم خاص للحبة، فالمصريون يحبون السبحة ذات الحبات الـ33 ومقاس 8 مللي، في حين أن الأتراك يحبون السبحة ذات الحبات الـ99 بمقاس صغير 6 مللي وشكل هادئ بسيط من دون زخرفة أو ألوان مبهجة، بينما الأفارقة يقبلون على السبحة السنغالي، وعدد حباتها 99 حبة، ولكن حجم الحبة كبير 10 مللي، وهي سمراء اللون ورؤؤسها وفواصلها بيضاء. أما أبناء الخليج والعراق فيحبون السبح الكهرمان ذات الـ33 حبة، ويميل المسلمون الأجانب في أوروبا وأميركا إلى النموذج المصري 33 حبة ولكن بمقاس صغير 6 مللي».
ويوضح الأسطى مجدي أن كثيرا من النساء يقبلن على السبح صغيرة المقاس وعدد الحبات الأقل وتطعيمها بألوان حمراء وصفراء هادئة، على عكس ما يرغب فيه الرجال من سبح بلونها الأسود المعتاد ومقاس كبير.
ويجري الآن تصنيع أحدث موديل من السبح للتصدير للسعودية، وهي سبحة «ثلث مكي»، مكونة من 33 حبة، ويتدلى منها مئذنة الحرم المكي وهلال ونجمة.
وحول أسعار السبح التي يقوم بتصنيعها، قال إنها تبدأ من 30 جنيها، وتنتهي بـ10 آلاف جنيه، وربما أكثر من ذلك؛ فهناك سبح مصنعة من الكهرمان الحر يتعدى سعرها 3 آلاف دولار، ومنها الكهرمان السادة وآخر بأجنحة حشرات الذباب والصراصير، حيث يتم تزويد تلك الأجنحة في حبات السبحة، وهناك سبح من العاج بـ900 دولار، وأخرى من المرجان التونسي بسعر 800 دولار، وجميع الأنواع غالية الثمن يتم تصنيعها خصيصا حسب طلب الزبون.
ويوضح نشاط تصنيع وتجارة السبح مصرية الصنع تأثر في العامين الأخيرين بسبب إغراق السوق المصرية بالسبح الصيني رخيصة الثمن ورديئة الصنع، وأيضا بسبب غلاء أسعار المواد الخام وقلة السائحين الذين كانوا يقبلون على شراء السبح المصرية غالية الثمن.
«إيده تتلف في حرير»، وصف يفاجئك وأنت تتجول في سوق «السِّبح» وتسأل عن جودتها وفن صناعتها بحي خان الخليلي السياحي بالقاهرة. والطريف أن أصحاب هذا الوصف هم تجار السبح بالخان وحي الجمالية المجاور له.. إنه الأسطى مجدي منتصر أشهر صانع سبح في مصر الذي يمارس صنعته في ورشته بحي منشية ناصر على أطراف القاهرة، وهي معقل صناعة السبح في مصر والوطن العربي.في منشية ناصر بحثا عن مجدي منتصر مررت بعشرات ورش تصنيع السبح حتى التقيت به، كان يرتدى جلبابا أبيض عرفت منه فيما بعد سبب ارتدائه له في العمل، وهو تأثره بأهالي مكة والمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية التي يسافر إليها عدة مرات على مدار العام، إما للعمرة أو الحج، أو بسبب رحلات توريد السبح للتجار هناك.
مجدي منتصر ذو الجلباب الأبيض بدا مثل شباب ورشته يعمل مثلهم «إيد بإيد»، على الرغم من أنه في العقد السادس من العمر. وهو يقول في ذلك إنه اعتاد أن يمارس عمله بنفسه ويساعده أبناؤه ويتقاضون أجورهم مثل باقي الصنايعية عنده. شعاره: «من ينتج أكثر يتقاضى أجرا أكثر، ومن ينتج أقل يتقاضى أجرا أقل، ومن يتغيب عن عمله لا يأخذ أجرا».. هذا ما تعلمه من والده الذي ورث المهنة عنه، ويعمل من عائلة منتصر أكثر من 25 فردا في تصنيع السبح.
الأسطى مجدي منتصر (وهذا اسم الشهرة، أما اسمه الحقيقة فهو «مجدي عبد المعطى عبد العزيز عوض حسان عبد العال») من قرية عرب الحويطات إحدى قرى صعيد مصر التابعة لمركز دار السلام بمحافظة سوهاج، يقول: «قدمت عائلتنا من عرب الحويطات، واستقرت في القاهرة قبل 80 عاما، وكان الوالد (رحمه الله) يبيع السبح في الجمالية وأمام مسجد الإمام الحسين بوسط القاهرة، وفي سبعينات القرن الماضي أخذت العائلة نهجا آخر في سوق السبح، فأصبحنا نقوم بتصنيعها ثم بيعها وبمرور الوقت طورنا في شكلها، حتى أصبحت عائلة منتصر أشهر صناع السبح في مصر، ويتعامل معنا تجار السعودية، خاصة في مواسم الحج والعمرة، وهما أفضل مواسم العمل بالنسبة لنا، ومنهم الحاج فايز الزهران شيخ السبح بمكة والحاج شريف هاشم التاجر الأشهر في المدينة. وبعد أن كان تجار السعودية يتعاملون مع صناع السبح في العراق وتركيا، تحولت الدفة ناحية مصر، وأصبحت ورش السبح في منشية ناصر بالقاهرة أكبر مورد للسبح للسعودية. والمملكة بطبيعتها أكبر سوق تجارى للسبح في العالم. ولا يمكننا توريد السبح لأي بلد في العالم دون المرور على مكة والمدينة، لأن زوار بيت الله الحرام والمسجد النبوي يتباركون بشراء السبح من هناك، وليس من بلد آخر».
ويوضح «الأسطى» مجدي: «يرجع تاريخ صناعة السبح في مصر إلى العصر الفاطمي، وهي تصنع من خامات نباتية وليست نارية (أي بلاستيك)، مثل السبح الصيني، وتعد أشجار الأبانوس والعود والصندل والورد والسندونوس والعضم من أفضل الأنواع المستخدمة في صناعة السبح. كما يعد خشب كوك جوز الهند من أفضل الأنواع أيضا، ونتعامل فيها لتصنيع السبح، وهي في حجم ثمرة الكمثرى، ومنها الكوك الأصلي في حجم ثمرة الخيار، وهو الخشب الذي يقال إن سيدنا نوح استعمله في تصنيع سفينته قبيل الطوفان».
5 مراحل تستغرقها صناعة حبات السبح، كما يرويها شيخ المصنعين مجدي منتصر، وهي «تشطيف الخشب الخام، تفصيله، تقطيعه، تخريمه، تشطيبه»، وكلها تتم بشكل يدوي مع استخدام قليل للآلات. ففي البداية يتم تشطيف ثمرة الكوك، بحيث تصبح لامعة وملمسها ناعما، ثم تفصيلها لأحجام طولية، وبعد ذلك تقطيعها لقطع صغيرة مربعة، ثم تخريم هذه القطع من المنتصف وبالعمق، وبعد ذلك يتم إدخالها في ماكينة تشطيب وتحديد مقاس الحبة، بدءا من 4 مللي وحتى 10 مللي، وأكثر حسب الطلب، ثم يتم وضع هذه الحبات بواسطة بعض الفتيات والنساء في سلك طويل ثم تدخل مرة أخرى مرحلة التلميع وتعاد للفتيات مرة أخرى لإدخال الحبات في الخيط لتخرج بشكلها للجمهور، هذا بخلاف مرحلة أخرى لتصنيع رؤوس السبح على شكل مئذنة أو هلال أو نجمة أو مجسم كعبة، وتلك المرحلة يقوم بها الابن الأكبر للأسطى مجدي ويدعى عماد، مستخدما فيها ماكينة خراطة صغيرة. وفي معرض إجابته عما إذا كانت تصميمات السبح يقوم بإعدادها فنيون آخرون يتباهى كبير مصنعي السبح قائلا: «أصمم السبح بنفسي أنا وابنيّ عماد وعلاء، ولا نستعين بأحد من خريجي الكليات الفنية من فنون جميلة وتطبيقية لتصميمها، فالموهبة من عند الله».
وتابع: «كل دولة لها السبحة المناسبة لها وحجم خاص للحبة، فالمصريون يحبون السبحة ذات الحبات الـ33 ومقاس 8 مللي، في حين أن الأتراك يحبون السبحة ذات الحبات الـ99 بمقاس صغير 6 مللي وشكل هادئ بسيط من دون زخرفة أو ألوان مبهجة، بينما الأفارقة يقبلون على السبحة السنغالي، وعدد حباتها 99 حبة، ولكن حجم الحبة كبير 10 مللي، وهي سمراء اللون ورؤؤسها وفواصلها بيضاء. أما أبناء الخليج والعراق فيحبون السبح الكهرمان ذات الـ33 حبة، ويميل المسلمون الأجانب في أوروبا وأميركا إلى النموذج المصري 33 حبة ولكن بمقاس صغير 6 مللي».
ويوضح الأسطى مجدي أن كثيرا من النساء يقبلن على السبح صغيرة المقاس وعدد الحبات الأقل وتطعيمها بألوان حمراء وصفراء هادئة، على عكس ما يرغب فيه الرجال من سبح بلونها الأسود المعتاد ومقاس كبير.
ويجري الآن تصنيع أحدث موديل من السبح للتصدير للسعودية، وهي سبحة «ثلث مكي»، مكونة من 33 حبة، ويتدلى منها مئذنة الحرم المكي وهلال ونجمة.
وحول أسعار السبح التي يقوم بتصنيعها، قال إنها تبدأ من 30 جنيها، وتنتهي بـ10 آلاف جنيه، وربما أكثر من ذلك؛ فهناك سبح مصنعة من الكهرمان الحر يتعدى سعرها 3 آلاف دولار، ومنها الكهرمان السادة وآخر بأجنحة حشرات الذباب والصراصير، حيث يتم تزويد تلك الأجنحة في حبات السبحة، وهناك سبح من العاج بـ900 دولار، وأخرى من المرجان التونسي بسعر 800 دولار، وجميع الأنواع غالية الثمن يتم تصنيعها خصيصا حسب طلب الزبون.
ويوضح نشاط تصنيع وتجارة السبح مصرية الصنع تأثر في العامين الأخيرين بسبب إغراق السوق المصرية بالسبح الصيني رخيصة الثمن ورديئة الصنع، وأيضا بسبب غلاء أسعار المواد الخام وقلة السائحين الذين كانوا يقبلون على شراء السبح المصرية غالية الثمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق